Tafseer by Qurtuby

Change Author Go
Change Surah Go
Ayah Go

Al-Fatihah: Ayah 5

إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ

الثالثة والعشرون : قوله تعالى : "إياك نعبد" رجع من الغيبة الى الخطاب على التلوين ، لأن من أول السورة الى ها هنا خبراً عن الله تعالى وثناءً عليه ، كقوله : "وسقاهم ربهم شرابا طهورا" . ثم قال : "إن هذا كان لكم جزاء" . وعكسه : "حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم" على ما يأتي . و "نعبد" معناه نطيع ، والعبادة الطاعة والتذلل . وطريق معبد إذا كان مذللاً للسالكين ، قاله الهروي . ونطق المكلف به إقرار بالربوبية وتحقيق لعباده الله تعالى ، إذ سائر الناس يعبدون سواه من أصنام وغير ذلك . "وإياك نستعين" أي نطلب العون والتأييد والتوفيق .
قال السلمي في حقائقه : سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول : سمعت أبا حفص الفرغاني يقول : من قرأ بـ "إياك نعبد وإياك نستعين" فقد برىء من الخبر والقدر .
الرابعة والعشرون : إن قيل : لم قدم المفعول على الفعل ؟ قيل له : قدم اهتماماً ، وشأن العرب تقديم الأهم . يذكر أن أعرابياً سب آخر فأعرض المسبوب عنه ، فقال له الساب : إياك أعني : فقال له الآخر : وعنك اعرض ، فقدما الأهم . وايضاً لئلا يتقدم ذكر العبد والعبادة على المعبود ، فلا يجوز نعبدك ونستعينك ، ولا نعبد إياك ونستعين إياك ، فيقدم الفعل على كناية المفعول ،وإنما يتبع لفظ القرآن . وقال العجاج :
إياك ادعو فتقبل ملقي واغفر خطاياي وكثر ورقي
ويروى : وثمر . وأما قول الشاعر :
إليك حتى بلغت إياكا
فشاذ لا يقاس عليه . والورق بكسر الراء من الدراهم ، وبفتحها المال . وكرر الاسم لئلا يتوهم إياك نعبد ونسعتين غيرك .
الخامسة والعشرون : الجمهور من القراء والعلماء على شد الياء من إياك في الموضعين . وقرأ عمرو بن فائد : إياك بكسر الهمزة وتخفيف الياء ، وذلك أنه كره تضعيف الياء لثقلها وكون الكسرة قبلها . وهذه قراءة مرغوب عنها ، فإن المعنى يصير : شمسك نعبد أو ضوءك ، وإياة الشمس ( بكسر الهمزة ) : ضوءها ، وقد تفتح . وقال :
سقته إياه الشمس إلا لثاته أسف فلم تكدم عليه بإثمد
فإن أسقطت الهاء مددت . ويقال : الإياه للشمس كالهالة للقمر ، وهي الدارة حولها. وقرأ الفضل الرقاشي :
إياك ( بفتح الهمزة ) وهي لغة مشهورة . وقرأ أبو السوار الغنوي : هياك في الموضعين ، وهي لغة ، قال :
فيهاك والأمر الذي إن توسعت موارده ضاقت عليك مصادره
السادسة والعشرون : "وإياك نستعين" .
عطف جملة على جملة . وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش : نستعين بكسر النون ، وهي لغة تميم وأسد وقيس وربيعة ، ليدل على أنه من استعان ، فكسرت النون كما تكسر ألف الوصل . وأصل نستعين نستعون ، قلبت حركة الواو الى العين فصارت ياء ، والمصدر استعانة ، والأصل استعوان ، قلبت حركة الواو الى العين فانقلبت ألفاً ولا يلتقي ساكنان فحذفت الألف الثانية لأنها زائدة ، وقيل الأولى لأن الثانية للمعنى ، ولزمت الهاء عوضاً .
;